معالم الفكر التربوي والفلسفي
عند الإمام الشوكاني
الإطار العام لنشأة الشوكاني:
الحياة الخاصة :
هو محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني ، الخولاني ، الصنعاني . مفسر ، ومحدث ، وفقيه ، أصولي ، ومؤرخ ،وأديب ، ونحوي ، ومنطقي ، ومتكلم ، وحكيم ، من كبار علماء اليمن . ,ولد بهجرة شوكان من بلاد خولان في عام 1173هـ الموافق 1760م ونشأ في صنعاء ، حيث كان والده يعمل قاضياً بها وبوطنه الأصلي خولان ، وتلقى العلم على يد كبار علماء صنعاء أمثال السيد العلامة عبدالرحمن المداني ، والحداني ، والنهمي والحسن المغربي ، والعلامة عبدالقادر بن أحمد و آخرين كثيرين (1)
ظهر نبوغه بعد أن هضم ثقافة عصره ، وموسوعات الثقافة والتراث العربي الإسلامي وقد حفظ كذلك القرآن وجوّده ، وحفظ بالإضافة إلى ذلك عدداً كبيراً من المتون قبل أن يبدأ عهد الطلب ، ولم تتعد سنه العاشرة ، ثم اتصل بالمشايخ الكبار ، وفي سن العشرين تصدر الإفتاء ، إذا كان يفتي لأهل صنعاء ومختلف المناطق اليمنية ، لذلك لم يسمح له أبوه بالاشتغال بغير العلم ، كذلك لم يسمح له بالانتقال من صنعاء (2)
أما دروسه فقد كانت تبلغ في اليوم والليلة نحو(13) ثلاثة عشر درساً منها ما يأخذها عن مشايخه ، ومنها ما يأخذه عنه تلاميذه ، وذلك في مختلف الفنون والعلوم : كالحديث والتفسير والأصول والعروض والمعاني والبيان والمنطق والفقه والجدل وغيرها . أما مؤلفات الشوكاني المخطوطة فقد بلغ نحو (240 مؤلفاً) ، إضافة إلى نحو (30 مؤلفاً مطبوعاً) منها على سبيل المثال : فتح القدير في التفسير ونيل الأوطار في الحديث والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ، والدر النضيد في إخلاص التوحيد . هذا بالإضافة إلى أجوبة وبحوث قصيرة مطبوعة وكذلك له بعض الشعر (3). توفى رحمه الله بصنعاء في عام 1250هـ الموافق 1894م.
الحياة العامة :
عاش الشوكاني في المدة ما بين (1173 – 1250هـ ) ، وقد امتاز عصره بخصائص وأحداث بارزة تفاعل معها الشوكاني ، فأثر فيها وتأثر بها ، وعملت على تكوين شخصيته العلمية التي استطاعت أن تفيد ، بل بروحها التجديدية تجاوزت كثيراً من جوانب المنظومة المعرفية والفقهية لزمانه .
فقد اتسمت الحياة السياسية بعدم الاستقرار وكثرة الصراعات سواء أكان على المستوى المحلي أم العالمي ، وعاش الإمام الشوكاني في ضل الدولة الزيدية القاسمية ، في حين عاصر ثلاثة من أئمتها ، وهم الإمام المنصور علي ، الإمام المتوكل على الله ، الإمام المهدي عبدالله بن الإمام المتوكل أحمد . والجدير بالذكر هنا أن الإمام الشوكاني تولى في عهد الإمام المنصور علي سنه 1209هـ منصب القضاء الأكبر حتى توفى عام 1250هـ في عهد الإمام المهدي حفيد المنصور علي ، كما تولى في نفس الوقت منصب كاتب الإمام الذي يتولى كلا المراسلات الداخلية والخارجية باسم الإمام (1).
أما الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية فقد تدهورت الحياة الاجتماعية تدهوراً رهيباً ، حيث عرف المجتمع اليمني في هذا العصر ظلماً اجتماعياً كان سببه تعفن الجهاز الإداري وبعض الصراعات الداخلية ، في حين أن الوضع الاقتصادي كان الأسوأ على الإطلاق ، وكان مما يزيد الوضع الاقتصادي تأزماً لجوء بعض الأئمة لمواجهة الأزمات الأقتصادية التي تفاقمت بسبب فساد الإدارة وضغط الاضطرابات الداخلية والأحداث الخارجية إلى زيادة الضرائب ، واستحداث ضرائب جديدة ، والتغيير المستمر في العملة والتلاعب بقيمتها . ولقد انتقد الشوكاني هذه السياسة الاقتصادية فحاول تشخيص تلك الأحوال في كتاباته ، حيث عزا ، تدهورها إلى الابتعاد عن حقيقة الإسلام وهجر ما يدعو إليه من عدالة اجتماعية ، كما حاول رسم سياسة اقتصادية محكمة يتحقق من خلالها العدل، ويدفع بها الظلم الاجتماعي ، إلا أنه فشل في تطبيقها بسبب بعض من ضعفاء النفوس الذين كانت بيدهم مقاليد الحكم (2)
في حين أن الأحوال الفكرية والدينية كانت أحسن حالاً وخاصة الفكرية على الرغم من طغيان عنصري التعصب والتقليد على البيئة العلمية اليمنية ، فإن حركة التأليف والإنتاج الفكري كانت مزدهرة نوعاً ما في هذا العصر وساهموا مجموعة من العلماء المجتهدين في إثراء الإنتاج العلمي ( 1 ) وعن الأحوال الدينية فإن العصبية المذهبية والسلالية كانت سمت الفرق والطوائف الدينية المختلفة ، والتي كانت له معها موافقة الخاصة ، فكان ناقداً لجوانب الخطأ في مقولاتها ، ومزكياً لجوانب الحق والصواب من آرائها ومناهجها . وكان يدعو إلى التمذهب بالإسلام جملة وإلى عدم التعصب لأقوال العلماء أو الأئمة ، بل للكتاب والسنة ( 2 )
وبصورة عامة ، يمكن القول بأن الإمام الشوكاني قد تفاعل مع عصره ومجتمعه حيث اتجه بقوة وإيمان راسخين لدراسة وتشخيص وعلاج الكثير من الظواهر السلبية ويحرم التقليد على كل مسلم ليضع بذلك قدمه على طريق التفكير العلمي المتحرر من تسلط الجامدين
2 - آراؤه الفلسفية والتربوية
2- 1 الموجهات الرئيسة لمنهاج الشوكاني :
2- 1- 1 الذهنية التوفيقية :
وتستخدم للدلالة على العمليات الفكرية الهادفة إلى تحقيق الأتفاق والوحدة بين أي فكرين أو عنصرين يراد ردها إلى حقيقة مشتركة وإزالة ما يبدو بينها في الظاهر . وقد حاول توظيفها في معظم ( المشروعات الشوكانية ) إذ تجده قد سمى تفسيره ( فتح القدير ، الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ) وهو بذلك قد جمع بين أكبر مدرستين للتفسير وهما: مدرسة التفسير بالأثر ، ومدرسة التفسير بالرأي (1) .
وهذه قراءة واحدة فقط لذهنية التوفيق في أحد المشروعات بالرغم من أن بقية المشروعات تختزن داخلها طاقة توفيقية هائلة . وبشكل عام فالآليات الداخلية التي كان يستعملها الشوكاني في مشروعاته العلمية كانت تميل إلى التوفيق بين المدارس المشهورة في تلك العلوم ، وإقامة المصالحة بين العناصر المتضادة ، وإزالة ما بينها من تضاد .
2- 1- 2 الاندفاع للتحرر العلمي :
إن من أبرز المواجهات التي حددت للشوكاني منهجه هي ذم التقليد وكثرة تبرمه من المقلدة والجمود العلمي عموماً والفقهي خصوصاً فقد تعلق الشوكاني بالاجتهاد وحث عليه طلبة العلم ونصحهم بمجانبة التقليد ، وقد ألف عدة رسائل خاصة في هذا الموضوع منها ( القول المفيد في حكم التقليد ) و( أدب الطلب و منتهى الأرب ) أي ما ينبغي لطالب العلم اعتماده والتحلي به في إيراده وإصداره وابتدائه وانتهائه وما يشرع فيه ويتدرج اليه حتى يبلغ مراده (2).
2- 1- 3 ثراء الإنتاجية :
نستطيع القول بكل ثقة أن الشوكاني كان يمتلك طاقة إنتاجية مرتفعة نسبياً كانت تعود إلى التنوع العلمي الذي كان من أبرز ملامح شخصيته العلمية إذا أن كمية مؤلفاته تعد مؤشراً مهماً على ارتفاع معدل الإنتاجية عنده ، إذ لا يكاد يوجد فن من الفنون التراثية إلا وله مؤلف داخل ذلك الفن (3)
وهذا التنوع الهائل له تأثير في زيادة الطاقة الإنتاجية التي كانت خلفية بارزة للعقل الشوكاني ومن خلال التركيز على هذه الموجهات يستطيع الشخص قراءة منهاج الشوكاني وتفسير الخطاب واستقرا معطياته والوصول إلى الغايات واستخلاص النتائج والعبر .
2-2 الطبيعة البشرية :
يرى الشوكاني أن الطبيعة البشرية محايدة ولها قابلية التشكيل نحو الخير أو الشر أي أن الاتجاهات تتشكل من البيئة التي يعيش فيها الإنسان وقد ميز الشوكاني الإنسان عن الحيوان وذلك بفضل نفخ الروح الإلهية في جسده المادي كما أن الإنسان يتكون من ثلاثة عناصر هي : الجسم والعقل والروح ، وبين أن العقل ألصق بالروح منه بالجسد ومن الرؤى الأخرى التي قدمها حول الطبيعة البشرية هي (1) :
• طبيعة الإنسان أنه كفور غير شكور هذا باعتبار غالب الجنس البشري .
• طبيعة الإنسان أنه ظلوم وهو ظلوم لنفسه باغفاله شكر نعم الله جاحد لها .
• الطبيعة البشرية تتسم بالفرح والخير والنفوس البشرية مجبولة على السرور بالخير والنفور عن الشر .
• طبيعة الإنسان السهو والغلط والنسيان .
• حب المال من طبيعة الإنسان .